أحد الدروس التي تعلمناها من قضية جمال خاشقجي (رحمه الله)، أنه يجب أن يكون لدينا إعلام خارجي قوي بأكثر من لغة، وفي أكثر من اتجاه يجابه ويقارع إعلام السوء والتخوين والفتنة.
اتخذت بعض وسائل الإعلام الرخيصة حادث خاشقجي لابتزاز الرياض والتشفي بالسياسة الخارجية السعودية. إلا أن مجلة “فورين بوليسي” الأميركية أكدت أن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية متينة وغير قابلة للكسر. من أبرز صفات التعاون بين السعودية ودول العالم ضمان تدفق النفط والغاز، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، إضافة إلى التعاون للتصدي للأطماع الإيرانية ومكافحة الإرهاب. بمعنى آخر، على المجموعات الإرهابية والدول المعادية للسعودية التعود على “الاسترخاء” في الماء البارد عوضا عن المكابرة والنحيب والبكاء.
بعض الدول والأحزاب المتطرفة وجدت في مقتل خاشقجي فرصة رخيصة سانحة للبروز في عنوانين الأخبار. على سبيل المثال، استغلت قطر الفرصة ودفعت الأموال لبعض المرتزقة في تركيا للاستعانة بشركات العلاقات العامة لتسويق الفتنة الرخيصة ضد الرياض. إلا أن الاستنتاجات الأولية تدل على أن العلاقات بين واشنطن والرياض، وخاصة ما يتعلق بالتعاون العسكري بين البلدين، غير قابلة للتراجع أو الانحسار.
ليس من المستغرب انتقاد عدد من الصحف العالمية موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من قضية خاشقجي وتصريحاته المتناقضة التي يحاول من خلالها ابتزاز المملكة إرضاء لحليفتي تركيا قطر وإيران. “بزنس إنسايدر” الأميركية، و”يوراسيا ريفيو” الأوروبية، والكاتب البريطاني نيفيل تيلر أكدوا هذا الأسبوع أن أردوغان استغل قضية خاشقجي لخدمة مصالحه السياسية وأنه، أي أردوغان، لا يزال يطالب بتعاون سعودي، في الوقت الذي أبدت فيه الرياض تعاونا في أكثر من جانب بما يخدم القضية.
في مارس 2018 اتفق مجلس الأعمال السعودي التركي على شراكات استراتيجية لاستغلال الإمكانيات المتاحة التي تزخر بها المملكة وتركيا في عدة مجالات. من الأجدى أن يحافظ أردوغان على مصالح الشركات التركية التي تعمل في مشاريع البنى التحتية في السعودية، وعلى مساهمة الشركات السعودية في إنعاش السوق التركية المتعثرة وخاصة القطاعات المالية والمصرفية والمقاولات. الرياض تُعتبر شريكا اقتصاديا مهما لأنقرة كونها تأتي ضمن أكبر ثمانية شركاء تجاريين لها على مستوى العالم.
لن تؤثر الحملات المسعورة أو الرسائل المبطنة في قوة ومتانة العلاقات السعودية مع دول العالم الحر. قضية جمال خاشقجي فتحت شهية النظام القطري لزيادة حملته الانتقامية الشعواء لتشويه سمعة السعودية. هذه الأساليب والمناورات الرخيصة تلجأ إليها الدويلات الصغيرة لإغراء الجماهير بالوعود الكاذبة. تغطية قطر الإعلامية لحادث جمال خاشقجي تفوقت مئات المرات على تغطيتها لتفجير مطار أتاتورك الدولي، والهجوم المسلح على مطعم في إسطنبول برأس السنة عام 2017 والذي أوقع 39 قتيلا و70 جريحا، أو التفجيرات في مقار الشرطة التركية والبرلمان، أو حتى عشرات الألوف من المحتجزين في السجون التركية.
حقد قطر ومن يستفيد من هبات و”قطات” قطر، لن يؤثر على العلاقات بين الرياض والعالم الحر. هدف قطر هو محاولة يائسة لإبعاد أنظار الرأي العام عن ممارسات النظام الحاكم في الدوحة في رعايته ودعمه للإرهاب.
أما تميم، الحاكم الشكلي لقطر، فقد أرغمته ظروفه الصعبة هذا الأسبوع على الظهور في فيديو وهو يروج لمطعم تركي في إسطنبول. لم لا؟ ألم ترغم تركيا تميم قبل شهور على التبرع بـ15 مليار دولار لإنقاذ الاقتصاد التركي من الانهيار؟
حادث جمال خاشقجي صدمة كبرى لعائلته وللمجتمع السعودي. لعلنا نذكر الشامتين ومن يهدفون إلى الصيد في الماء العكر في بيع وشراء قضية جمال، أنهم يخوضون تجربة قذرة في “حمام تركي”. بعد انتهاء طقوس التنظيف ستظهر الحقيقة وتذوب أكاذيب قنوات الفتنة مثل فقاعات الصابون على أرض غرف “الساونا”، وقد يتبعها تدليك واسترخاء على البخار لعلاج تشنج الأعصاب.
عبدالله العلمي
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
جريدة العرب