استطاعت المواقع الإخبارية الإلكترونية، والخدمات الإخبارية عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال فترة قياسية أن تفرض نفسها كمنافس قوي للإعلام التقليدي المرئي والمسموع والمكتوب.
كانت وراء هذه القفزة النوعية عوامل عدة، كانخفاض التكلفة المادية، إضافة إلى أن هذه المواقع أو الصفحات تقوم بتحديث أخبارها بشكل دوري سريع، ولا تخضع لتوقيت محدد للنشر، مما أدى إلى مزيد من الإقبال عليها خاصة أنها وباستخدامها للتقنيات الحديثة، ومن خلال الإمكانيات التفاعلية التي وفرتها لزوارها قد منحتهم فرصة التعليق على الحدث والتفاعل معه، إلى جانب خاصية المشاركة والتي تمنح الخبر فرصة أوسع للانتشار.
أدى هذا التطور إلى أن تصبح مصادر الأخبار متعددة ومتشعبة للدرجة التي أصبح من الصعب فيها التفرقة بين الخبر الحقيقي والزائف، لاسيما مع ظهور التكنولوجيا الرقمية التي ساهمت في إنتاج وتدفق المعلومات بطريقة ديناميكية ومعقدة أصبح معها من الصعوبة حتى تمييز المصدر الرئيس للمعلومة، بعد أن مكنت كل فرد من أن يكون هو نفسه مصدرا للمعلومة، مما سبب مزيدا من الفوضى المعلوماتية، وخضوع المعلومات إلى الأهواء والأبعاد الشخصية.
يبدو أن المنافسة بين المواقع والصفحات الإلكترونية من جهة، والإعلام المرئي والصحافة الورقية من جهة أخرى، وما بين تلك الإلكترونية فيما بينها، قد قاد البعض بهدف تحقيق مواقع متقدمة في المنافسة، أو طمعا في الحصول على حصة في سوق الإعلانات، إلى ابتداع أساليب لعرض بضاعتهم من الأخبار والتقارير التي تخرج عن المسار الصحافي وأصول المهنة، فظهر في كثير من الأحيان الابتزاز والتشهير واغتيال الشخصية، والإساءة إلى المؤسسات والأشخاص وحتى القيم والثوابت تحت مسمى الحريات، واستغلال عواطف القراء ووطنيتهم لنشر الأكاذيب والإشاعات، واتباع أساليب مضللة توحي للجمهور بأن هؤلاء يملكون من الجماهيرية والانتشار ما لا أساس له على أرض الواقع، بما أساء إلى صورة الإعلام كسلطة رابعة تمارس الرقابة وتنحاز إلى الإنسانية.
مع هذا التخبط المعلوماتي يبدو أنه لا تزال وسائل الإعلام التقليدية، ومنها الصحف الورقية حتى الوقت الراهن مصدرا موثوقا، وذا مصداقية لدى الكثيرين، يستقون منها الأخبار والمعلومات ويتأثرون بما تنشره من مواد، بل ويتم تداول المواد الإعلامية الصحافية حتى عبر المواقع والصفحات الإلكترونية نفسها، فضلا عن استمرار إصرار المعلنين الكبار على وضع إعلاناتهم في هذه الصحف ولاسيما في الدول ذات الوفرة المالية كدول الخليج.
ومع الإقرار بحقيقة أنه ليست كل المواقع الإخبارية الإلكترونية تعاني من مشكلة في المصداقية، وأن فيها ما يشهد تطورا مستمرا وانتشارا واسعا ويعتبر موضع ثقة من قبل الجمهور، إلا أن هذا القطاع بات بحاجة ماسة إلى المزيد من الإحساس بالمسؤولية وخطورة تجاوزاته فضلا عن المزيد من أدوات تنظيمية، بما لا يتعارض مع المفاهيم الدينية والإنسانية واحترام الحريات، وبما يكفل حماية كرامات الناس بطرق مبتذلة حتى لو بمقال أو خبر أو تعليق، وحتى يصان مقام الصحافة خاصة والإعلام عامة بدلا من أن يصبحا مهنة من لا مهنة له!
د . سامر أبورمان