تهديد الدول الأوروبية الثلاث في الاتفاق النووي بتحويله إلى مجس الأمن هو الواقع الذي ستتجه إليه الأمور في الأيام المقبلة، لذلك فهو رسالة وتهيئة أكثر منه مجرد تهديد في عملية سياسية معقدة، لأن ترحيله إلى المجلس يعني إلغاءه، والعودة إلى ما قبل التوقيع الذي تم في الظلام واستثمرته إيران بصورة متعجلة؛ لأنها تعلم أنه لن يطول به الزمن قبل أن ينتكس ويتراجع أي طرف منه، فهو في حقيقته يسبب أضرارا إستراتيجية كبيرة على المدى البعيد، إن استمر تطبيقه على الصورة التي تم توقيعه عليها.
قد تجد إيران سندا في مجلس الأمن، لا يجعل أمورها تسوء كثيرا بقرارات أممية؛ إذ من المتوقع أن تستخدم روسيا أو الصين أو كلتاهما حق النقض «الفيتو» ضد أي قرارات تستهدف الضغط على إيران للتخلي عن برامجها النووية، ولكنها من المؤكد ستستمر في عزلتها بسبب العقوبات، وامتناع الدول الغربية عن التعامل الاقتصادي والمالي معها، وذلك سيعيد إيران إلى ما مرحلة ما قبل الثورة، خاصة أن المعارضة الداخلية تتنامى وتتسع رقعتها، وفي الحالين تفقد دعمها داخليا وخارجيا.
كما بنت إيران قوتها على نار هادئة، فبالتأكيد ستحتاج إلى ذات النار لتعود إلى رشدها بالتوقف عن تهديد أمن وسلام جيرانها، والتمدد بمشروعها التوسعي، وتوظيف وكلائها للعبث بأمن دول المنطقة، هذه خلاصة المشكلة مع إيران، يمكنها أن تكون دولة مسالمة متى توقفت عن التدخل في شؤون الآخرين. المشكلة الأساس في التطفل، والأحلام غير المشروعة على حساب الآخرين.
حين تتوقف إيران عن ذلك وتقل شهيتها مع قلة التمويل والانصراف إلى معالجة آثار العقوبات على حياة الشعب، ستجد أنها أقرب إلى المنطق، وتتوقف عن استخدام البرنامج النووي كفزاعة لإحداث العرب وفرض نفسها على الآخرين، فهذه الدولة ليست دولة عظمى يمكن أن يرى من يقودها أن بإمكانهم أن يفعلوا ما يرون دون أن تترتب على ذلك عواقب أو عقوبات. العالم ليس مسرحا للمجازفين السياسيين، وهذه الألعاب خطرة على الأمن والسلم الدوليين، وإن لم يتم التعامل معها في الوقت الحاضر، فقد يحدث ذلك عقب سنة أو اثنتين أو ثلاث، ولكن لا محالة سيحدث.
أحيانا أجد مقاربة كبيرة بين سلوك هتلر والنظام الإيراني، فكلاهما غير منطقي، وحالم بصورة غير طبيعية، ويمارس الدكتاتورية بصورة مقيتة تلبس ثوب البراءة والتنمية والرفاهية، وكلاهما لديه منطلقاته العقدية المستترة التي تظهر شيئا وفي حقيقتها شيء آخر، ثم إن كليهما استخدم العلوم بصورة ضارة ومؤذية، وفي ذات الوقت الإيمان بالمارورائيات والاعتقاد بأنها تمهد الطريق إلى اكتساح العالم.
ولأن التاريخ يعيد نفسه، فكثيرون عبر العقود والسنوات لم يستفيدوا كثيرا من تجارب غيرهم فسقطوا في ذات الفخ وانتهى أمرهم، وذلك ما حدث لنابليون بونابرت حتى وصلنا إلى هتلر، والآن نقف على أعتاب مرحلة جديدة في إيران يمكن ببساطة اكتشاف أنها تجربة على ذات سياق ما سبقها من تجارب منهارة، فليس من الحكمة أبدا أن تعادي العالم وتكسب ربع حرب، قد تكسب معركة صغيرة ولكن ما يليها من رد فعل سيجعلها آخر المعارك ونهاية حرب ومشروعا غير متصالح مع العالم، وذلك ما تسير عليه إيران التي ستفقد كل مزايا الاتفاق النووي، قريبا في وقت كان بإمكانها أن تعيد فتحه، وتتنازل قليلا بدلا من أن يتم إجبارها على التنازل عنه بأكمله، وخسارة جميع مزاياه وبدء مرحلة أخرى أشد قتامة على الشعب الإيراني.
سكينة المشيخص
صحيفة اليوم السعودية
sukinameshekhis @