تغيرت العلاقات الإنسانية عبر التاريخ نتيجة لتغير الحاجات، فحاجة من عاش في العصر الحجري هي حماية نوعه، مرحلة اتسمت بالفردانية تعتمد بشكل كبير على قوة العضلات للدفاع عن النفس وتأمين سبل العيش، شكلت هذه الحقبة منظومة من السلوكيات التي تحاكي ظروف البيئة المحيطة، ومن ثم تطورت العلاقات واتسع نطاقها بداية من عصر الزراعة، وأصبحت هناك حاجة ملحة للأمن والاستقرار، فتم تطوير منظومة الأعراف السابقة لتتوافق مع المستجدات والحاجات الجديدة، التي تستدعي ترابط الأفراد مع بعضهم من خلال توزيع المسؤوليات بينهم، وأصبحت الحاجة ليس فقط الدفاع عن النفس والأسرة، بل كذلك عن الأرض مورد الخيرات ومكان الاستقرار، ولم يتوقف التطور الذي يعبّر عن حاجات الناس المتغيرة عبر الزمن، وخاصة بعد الانفتاح التجاري الذي بدأ بالمقايضة، توسعت فيما بعد العلاقات التجارية واصطحب ذلك انفتاح ثقافي وعلمي، وتعددت الحاجات وتعقدت وأصبح الشغف بامتلاك النفوذ والسلطة، وهي نزعة متوارثة من حقبة العصر الحجري، ولكن بحلة جديدة حتمت على الإنسان تطوير منظومة الأفكار والأعراف وإضفاء القداسة عليها لضمان التزام العامة دون تشكيك أو نقد، نمت الاقطاعيات، وظهرت الممالك والامبراطوريات الكبيرة التي تمددت بقوة الذراع طمعاً بالموارد ورغبة في السيطرة، سادت الحروب والصراعات، واستمرت التغييرات حتى بزغ عصر الآلة عصر الانفتاح والعلم، وفي عز الانتعاش الاقتصادي اتسعت الفجوة بين الناس وزاد الفقر وكثرت الحروب، وتحول الصراع من دول تتنازع على الموارد والمواقع الجغرافية إلى دول تتعارك لبسط ثقافتها وايديولوجياتها ومن ثم هيمنتها التلقائية، ومثال على ذلك صراع النظامين الشيوعي والرأسمالي، الذي كبد العالم خسائر فادحة، وهنا بدأت ترتفع صرخات الناس الناقمة على سوء الأحوال والمطالبة بتغيير السياسات التنكيلية التي تقمع كل صوت ناقد بحجة قداسة من هم في السلطة، ومع تطور التكنولوجيا، التي كان لها الفضل بتقريب المسافات بين شعوب العالم، تغيرت الكثير من السياسات، وخاصة بعد تأثر أغلب اقتصادات بلدان العالم، وبرزت منظمات دولية تدافع عن حقوق الإنسان، وأخرى تحذر من التغيرات المناخية، وتلزم الدول بتطوير منظومة سياساتها ليصبح الإنسان محور اهتمامها، وأصبحت هناك مؤشرات دولية تقيس أداء الدول ومدى التزامها بالمواثيق الدولية، الدول التي واكبت هذا التطور فلحت، ومن تشبثت بنهج الماضي اضمحلت وتبددت أو على وشك الانهيار. علمنا التاريخ أن من يقف في وجه التغيير أو يتحايل عليه لا يدوم، وتلك هي معضلة أغلب الدول النامية التي تماشت ظاهريا مع التغيير دون إدراك جوهره، وتعالت نتيجة لذلك أصوات أغلب شعوب المنطقة تنادي بأهمية بسط العدالة، الحرية، واحترام الحقوق الإنسانية، رغبة في العيش بسلام بعيداً عن صراعات النفوذ والسلطة. وهذا جزء لا يتجزأ من مشكلتنا التي نعاني منها اليوم، والتي تسببت في تحويل المجتمع من منتج إلى استهلاكي، الخروج من هذا النفق المظلم يستوجب تغييرات جذرية تضع باعتبارها المصلحة العامة لهذا البلد قبل المصالح الشخصية، وهذا التغيير لا يمكن أن يتحقق بالأدوات البدائية نفسها التي فتحت الأبواب للفساد وأنعشت الانقسامات والخلافات المجتمعية وزعزعت الثقة بين أفراد المجتمع بعضهم ببعض وبالحكومة. المطلوب تغيير نهج الإدارة الحكومية قبل تغيير أسماء القادة.
إيمان جوهر حيات
The0Truth_@
صحيفة القبس الكويتية