لا يزال الغموض وعدم اليقين مسيطرا على حاضر العراق ومستقبله، بسبب الاضطرابات التي تسود البلاد في ظل عدم القدرة على التخلص من الأزمات السابقة التي مازالت تلازمه، وتعرضه للأحداث الأخيرة ذات الآثار السلبية على كل القطاعات الإجتماعية والاقتصادية.
وتسبب انهيار أسعار النفط، الذي يعد أهم قطاع تصديري ومالي للدولة، في انخفاض كبير في عائدات الموازنة، واستنفد الفائض المالي للعراق الذي راكمه حتى عام 2018. ولم تكن جائحة كوفيد – 19 رحيمة مع أي اقتصاد في العالم. وزادت على نحو كبير المشهد الاقتصادي المؤلم في العراق، وتسببت في تراجع الإيرادات الرئيسية للبلاد، بما في ذلك النقل والتجارة والمصارف والسياحة الدينية. ووفقا للمرصد الاقتصادي للعراق التابع للبنك الدولي، فإن هذه الصناعات تمثل ما يقرب من نصف الاقتصاد غير النفطي للدولة. وأصيب الشعب العراقي بيأس دائم بسبب استمرار أزمة فيروس كوفيد -19 الخانقة التي تزامنت مع المشاكل القائمة مسبقا، وسط تصاعد السخط لاستمرار تقديم الخدمات عبر الفساد المستشري، وعدم القدرة على تشكيل حكومة جديدة.
وما يزيد الطين بلة، أن مشكلة التدفق النقدي بالعراق تسبب خرابا للقطاعين العام والخاص. فالموارد التي تعتمد عليها الدولة لتوفير الرواتب والمعاشات لموظفيها والمتقاعدين ومعاليهم آخذة في النضوب. ويعتمد توفير المعاشات على نحو كبير على صناعة النفط التي تعاني من انخفاض أسعار الخام التي تضررت أكثر بعد فيروس كوفيد – 19. وبجانب 4 ملايين موظف حكومي، يوجد 3 ملايين شخص يتقاضون معاشات، وأكثر من مليون يستفيدون من برنامج الرعاية الاجتماعية، ولهذا تواجه الحكومة العراقية نقصا حادا في السيولة. ويضر هذا الأمر بالشعب العراقي ويستمر في إذائه ويغذي المزيد من ردود الفعل السلبية من المواطنين تجاه خطط الحكومة الحالية للاصلاح الهيكلي.
الاقتصاد الرقمي يمكن أن يكون شريان الحياة الذي يحتاجه العراق
المشهد السياسي في العراق محفوف بالمخاطر والتحديات بسبب الانقسام السياسي، والأراء المتعارضة بين القادة وأعضاء البرلمان، والاستقطاب الأيديولجي لمختلف الأحزاب السياسية. ويعد إدخال إصلاحات مالية جديد، ناهيك عن تنفيذها، أمر صعب في الظروف العادية. الجانب المشرق الوحيد لوباء كوفيد – 19 هو أنه عدو مشترك متفق عليه، ويمكن أن يكون بمثابة حافز للإصلاح بجميع القطاعات الخاصة والعامة. ويمكن أن يكون الإصلاح في شكل استخدام الشبكات الرقمية والبنية التحتية القائمة لإدخال التطوير المتعلق بالاقتصاد الرقمي.
ويمكن للاقتصاد الرقمي، إذا ما تم تنفيذه وإدارته على نحو صحيح، أن يكون بداية لشريان الحياة المالية والاقتصادية للشعب العراقي. وهناك، يكمن الأمل. اذ يخلق الاستثمار في نشر البنية التحتية الرقمية فرصا فورية لزيادة معدلات التوظيف، وتعزيز التجارة، والتنويع الاقتصادي، وزيادة انتشار الإنترنت المصحوب بارتفاع إنتاجية القطاع الخاص، وتحسين تسهيل تقديم الخدمات ليس فقط للشعب العراقي ولكن للاجئين والمجتمعات المضيفة.
وتعد الخدمات المالية الرقمية جوهر الاقتصاد الرقمي. ويعتبر النظام المتكامل القوي للدفع غير النقدي الركيزة الأولى والأكثر أهمية للاقتصاد الرقمي. تستمر الأنباء الجيدة تتوراد عن ولادة الاقتصاد الرقمي، إذ تعهدت الحكومة العراقية علنا بدعمها للاقتصاد غير النقدي. وبالفعل، اتخذت العديد من الدول الأخرى التي تعاني من أوضاع مالية مماثلة للعراق، الخطوات الحاسمة في هذا الاتجاه، ويتم مارقبتها من أجل التنفيذ. وعادة ما ينجح استخدام التكنولوجيا في الحكومات عند معالجة المعلومات مباشرة ومراقبة المشاكل.
ولتحقيق هذه الغاية، وضع العراق أهدافا طموحة لتعزيز المنصات الرقمية الهامة وزيادة النشاط عبر ملكية بطاقات الائتمان والخصم، والمعاملات غير النقدية، والمعاملات المالية عبر الهاتف المحمول، والمدفوعات الإلكترونية. بالنسبة للعراق، تشمل المنصات الرقمية الهامة التي يجب تنفيذها على الفور: منصة الحكومة الإلكترونية التي تيسر العمليات الإدارية وتقلل العوائق التي تحول دون التقدم مع القضاء على الفساد الإداري البيروقراطية وإطلاق منصة تسجيل الأعمال التجارية عبر الإنترنت مع توفير خدمات الدفع عبر الإنترنت. يحتل العراق الآن المرتبة 172 بين 190 دولة في تصنيف ممارسة الأعمال لعام 2020، ويحتل المرتبة 154 في تصنيف بدء النشاط التجاري. ويمكن أن يؤدي وضع هذه الأسس كجزء من النظام المتكامل للتجارة الإلكترونية، إلى إعادة إنعاش المحركات الاقتصادية لمؤسسات القطاع الخاص الصغيرة ومتوسطة. ويعزز هذا أيضا التجارة، ويخلق الوظائف، ويغرس الثقة، والأمل في أيام أفضل قادمة.
تطبيق الهويات الرقمية والأنظمة البيومترية
تُمكّن أنظمة الهوية الرقمية العراقيين من ممارسة حقوقهم والوصول إلى الخدمات. وتساعد الدولة أيضا على إدراك الإمكانات التحويلية لأنظمة هوية رقمية شاملة قوية ومسؤولة. ويأتي هذا الإمتداد للاقتصاد الرقمي بفوائد ملموسة عبر مجموعة من المجالات، مثل الشمول المالي، والخدمات الصحية، والحماية الإجتماعية للأكثر فقرا وضعفا، وتمكين النساء والفتيات.
والمجالات التي لديها أكبر الإمكانيات لتحقيق أهداف الشمول المالي، هي القطاع الخاص الذي يقوده التنوع والإصلاح الحكومي لتعزيز مشاركة القطاع الخاص في قطاعات إنتاجية مختارة ما يمكن أن يعزز لاحقا إدماج العراق في الاقتصاد الرقمي. وسيتطلب تحويل العراق إلى اقتصاد رقمي مرن وشامل، إصلاحات اقتصادية شاملة، وأولويات تنمية طويلة المدى. ومن بين هذه الإجراءات، ضمان الوصول إلى إنترنت عالي السرعة بأسعار مناسبة، وإتاحة تبني المدفوعات غير النقدية على نطاق واسع، وتقديم المساعدات الحكومية رقميا، وتحسين الوصول إلى البيانات. وسيقود رفع مهارات الشباب العراقي بالمعرفة التكنولوجية، وتوسيع نطاق النظام المتكامل لريادة الأعمال الرقمية، أيضا نحو اقتصاد رقمي فعال.
الخبر السار هنا، هو أن العراق في طريقه نحو تحقيق هذه الأهداف. إن المسار الذي يسلكه العراق الآن مشرق، بالرغم من أن اليوم لا يزال يبدو مخيفا.
الكاتب / بهاء عبد الهادي
المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة العالمية للبطاقات الذكية، كي كارد
نبذة عن كي كارد "QiCard"
كي كارد "Qi" هي الحل الرائد لخدمات الدفع إلكترونية في العراق. وتستخدم كي كارد الهوية البيومترية كطريقة للتحقق من حامل البطاقة وتوفر نظاما متكاملا يضم ١٧ ألف نقطة بيع، وأكثر من ٦٠٠٠ تاجر يستخدمون أنظمة كي "Qi" لتوفيرقسط فوري ممول من التاجر والأنشطة التجارية الأخرى.