
كارثة حقيقية تهدد أطفالنا الذين يكبرون أمام أعيننا، ويحملون حقائبهم متجهين إلى مدارسهم بكل سعادة، ليجدوا أنفسهم -فجأة- ضحايا للتنمر، فتبدأ معاناتهم مع جرعات الاستهزاء والاستفزاز والتعدي بالألفاظ السيئة أو بالضرب عليهم، لتتحول رحلتهم اليومية إلى المدرسة، إلى معاناة ثقيلة.
وللحديث عن هذا الموضوع قالت المدربة التربوية / همسة يونس، ان التنمر ظاهرة تحتاج لوقفة حقيقية من جميع الأطراف المعنية ابتداءً من الجهات التربوية وانتهاءً بالأسرة،
واضافت يونس ، التنمر كارثة تهدد مستقبل الأطفال، وعدم وجود حلول جذرية وحقيقية يتسبب في تراكم الآثار السلبية، لتتجاوز المدرسة إلى المجتمع بأكمله.
ومن خلال خبرتها في المجال التربوي، أكدت همسة يونس أنها التقت بطالبة امتنعت عن الذهاب للمدرسة بسبب معاناتها اليومية من التنمر من بعض الطالبات، وهو ما يعتبر تهديداً حقيقياً لمستقبل ضحايا هذه الظاهرة
وقالت يونس ان بعض الأهالي يقفون حائرين أمام ظاهرة التنمر المدرسي ، بين ما إذا كان يتوجب عليهم متابعة غرس الرقي والجمال في نفوس أطفالهم الذين يتعرضون للتنمر، أم أنهم مطالَبون بتدريبهم على كيفية التعامل مع المتنمرين بنفس سلوكهم العنيف والمستفز كنوع من أنواع الدفاع عن النفس، وعن ذلك قالت: ليس من المحبذ ولا المقبول تربوياً وأخلاقياً أن نكون سبباً في تحويل العنف إلى لغة مقبولة كوسيلة دفاع، لكني أرى بعض الأهالي مضطرين لدفع أطفالهم نحو العنف المضاد لحماية أنفسهم من التنمر وآثاره، خاصة أمام عدة محاور مهمة تشجع العنف المقابل بطريقة غير مباشرة أبرزها، أن تكون الإدارة المدرسية والهيئة التدريسية والاختصاصي الاجتماعي غير مؤهلين للتعامل مع حالات التنمر المدرسي، وعدم تعاون أولياء أمور الأطفال المتنمرين لعلاج حالة طفلهم المتنمر، أو لجوئهم إلى العنف مع طفلهم المتنمر كعقاب له ومحاولة فاشلة لردعه، إلى جانب عدم توفير الدعم النفسي للطفل المتعرض للتنمر وتركه يواجه مصيره بصمت.
وأشارت همسة إلى أن عدم وجود حوار حقيقي بين الأطفال والمراهقين وأولياء أمورهم، يعيق اكتشاف بعض حالات التنمر، ليبقى الطفل المتنمر والمتنَمر عليه في حالة معاناة، فكلاهما يحتاج دعماً ومساعدة، ولفتت إلى أن بعض الأهالي يشاركون أحياناً في تحويل أبنائهم إلى متنمرين بسبب الغيرة والتنافس السلبي، وانعدام التوازن النفسي لدى الوالدين أو أحدهما، وقالت: كثيراً ما يساهم الأهل في صنع طفل أو مراهق قابل لأن يكون ضحية للتنمر المدرسي، وذلك باعتماد أسلوب اللوم المستمر له والتقليل من شأنه أمام الآخرين، وعدم منحه جرعات كافية من الثقة بالنفس، كما أن تعرض أحد الوالدين أو كلاهما إلى التنمر المدرسي في صغره، قد يكون سبباً رئيساً في صنع طفل أو مراهق متنمر رغبة في تحقيق عدالة كان من المفترض أن يحصلوا عليها في صغرهم حين تعرضوا للتنمر.
وأكدت همسة يونس أن التحريض على العنف المضاد ليس حلاً أخلاقياً أو تربوياً، وتساءلت باستياء: لكن ماذا إذا تحول ذلك إلى ضرورة أمام الضغط المجتمعي على الأهل، تحت وطأة الفكرة التي تؤكد بأن الطفل الذي لا يواجه التنمر المدرسي بعنف مقابل، سيكون ضحية أكبر يوماً بعد يوم، سواء في إطار المتنمرين في المدرسة، أو المتنمرين الكبار لاحقاً في الجامعة وأماكن العمل.
وذكرت همسة أن تهديد الطفل المتنمر وضربه وعقابه ليست حلولاً جذرية على الإطلاق، بل قد تكون أحياناً سبباً في تفاقم المشكلة، لافتةً إلى أنه كلما ارتقت البيئة المنزلية والمدرسية أخلاقياً، كلما تراجعت نسب التنمر المدرسي، ومشيرةً إلى أنه في بعض الأحيان تكون نشأة الطفل في بيئة أسرية مثالية نوعاً ما، سبباً مهماً في وقوعه ضحية للتنمر المدرسي، لعدم قدرة الطفل أو المراهق على التعامل مع الشخصيات السلبية في المجتمع من حوله، وهو ما قد يتسبب بحدوث حالة رفض قوية لدى ضحايا التنمر لكل القيم الجمالية من حب وتسامح.
واعترفت همسة يونس أن ثلاثة من أطفالها تعرضوا للتنمر المدرسي، وكونها مدربة تربوية فقد اجتهدت لتقديم المساعدة لطرفي التنمر، بالتعاون مع الإدارة المدرسية والاختصاصيين الاجتماعيين.